يشكل موضوع هذه الورقات تقديم نتائج بحث سوسيوانتربولوجي ميداني تم إجراؤه في تونس بالتعاون مع عدد من الجهات العلمية الغربية والمغاربية في إطار مشروع بحث شامل تناول بالدرس التحولات المرضية وتأثيرها في الصحة في شمال إفريقيا وأفراد حيزاً هاماً من تحليله لهذه المسألة لإبراز تأثير الممارسات الغذائية باعتبارها مؤشراً …هاماً لجملة من التحولات الاجتماعية الكبرى ولتغيرات جذرية على مستوى أنماط الحياة الجماعية والفردية.
تحاول الدراسة، التي نستعرض أهم نتائجها فيما يلي، سبر طبيعة العلاقات بين الأجيال فيما يتعلق بالممارسات الغذائية والوقوف على أشكال السلطة والتفاوض التي تحكم وتهيكل هذه العلاقات، علماً وأن هذه الدراسة تتبنى مقاربتين نظريتين، تؤكد الأولى على أهمية الديناميكية الاجتماعية في فهم تفسير التحولات التي شهدها المجتمعات المعاصرة، باعتبارها إطاراً تتفاعل فيه قوى تقليدية وأخرى حديثة، وهي نظرية وضع أسسها جورج بالانديي. أما المقاربة النظرية الثانية فهي تسود حقل العلوم الاجتماعية في مجال التغذية منذ فترة تناهز العقدين، إثر النجاح والانتشار الكبيرين اللذين حققتهما أعمال كلود فيشلر في فرنسا، الأب المؤسس لما يعرف بعلم اجتماع الأكل، والتي تنطلق في مقاربتها للفعل الغذائي من الكائن البشري (الفردي) -باعتباره كائناً آكلاً- وتجعل من الأبعاد الرمزية والمخيالية والتمثلات المرتبطة بفعل الأكل محوراً أساسياً لما يحاول عالم الاجتماع فهمه في علاقة الآكل بالغذاء.
وقد انطلق هذا المبحث الذي اعتمد فيه مقاربة منهجية متفردة، من عدد من الفرضيات العلمية التي يمكن اختزالها في النقاط التالية: -تحيل علاقات التواصل بين الأجيال بشأن الممارسات الغذائية إلى مسار معقد تخترقه شتى أشكال التوتر والصراع والتفاوض، نظراً لما تحمله الأجيال المختلفة من تصورات متباينة للغذاء ولما تستبطنه من معايير غير متجانسى في تقييمه.
-تحتل الممارسات الغذائية وعملية التغذية بصفة عامة، موقعاً مركزياً في عملية بناء الهوية الفردية للفاعلين الاجتماعيين وتشكل أداة رصد أساسية لأهم منعطفات السيرة الحياتية.
-يمثل تثمين مختلف أنماط الطبخ والغذاء التقليديين انعكاساً لحالة القلق الغذائي والتوتر المشوب بالحذر التي تفرزها علاقة الآكل بالأغذية الجديدة وخاصة ما يحمل منها علامات المعالجة الصناعية.









