في الجماليات نحو رؤية جديدة إلى فلسفة الفن

لــ ( المؤلف)علي أبو ملحم

$3.40$4.00

وضعت لهذا البحث عنوان الجماليات وآثرته على العنوان الشائع “علم الجمال”، لأن هذا الأخير يثير إشكالات كثيرة، أهمها أن الجمال ليس علماً أو ليس له علم، لأن العلم يحتاج ليستوي قائماً إلى موضوع محدد يسمح بإجراء الملاحظة والتجربة وطرح الافتراضات والتحقق منها. وهذا ما لا يتوافر في الجمال فليس الجمال …شيئاً محدداً، ونتاجات الفنون الجميلة تعسر الإحاطة بها، ولو استطعنا الإحاطة بكل ما أبدعته الشعوب المختلفة منذ فجر التاريخ وحاولنا دراستها لاستنباط قوانين عامة للجمال، وبحثنا في ذلك، فإن تلك القوانين تبقى مشوبة بالقصور وعدم الشمول، لأنها لا تأخذ بعين الاعتبار نتاجات الفن المستقبلية إذ لا شيء يمنع من ظهور فنانين غدا في المستقبل القريب أو البعيد تتمخض عبقرياتهم عن فنون جديدة أو أعمال فنية جديدة لا تخضع للقوانين التي استنبطناها من قبل.

لقد حاول هيغل أن يرد هذا الاعتراض قائلاً أنه لا ينبغي في إقامتنا علم الجمال أن نتجه إلى الأعمال الفردية، إلى نتاجات الفنون العسيرة الحصر، بل يجب أن نتجه إلى العلم المطلق، إلى فكرة الجمال. غير أن العلم الحديث يقوم على الاستقراء لا الاستنتاج. فهو ينطلق من الملاحظة الدقيقة للجزئيات لينتهي من ثم إلى ما هو عام، ولذا لا يقر هيغل على رأيه.

ونحن نعني بالجماليات فلسفة الفن أو النظرة الفلسفية إلى الفنون. وبهذا تخرج عن إطار بحثنا نظرات الفنانين والنقاد إلى الفنون. إن نظرات هؤلاء مسرفة في الذاتية، وهي تدخل في صميم الدراسات الخاصة بكل فن على حدة. أما فلسفة الفن فلا نتطرق إلى مثل تلك التفاصيل والجزئيات، إنها تنهد إلى إعطاء نظرة عامة وشاملة للفن والجمال على نحو ما يدعى بفلسفة العلوم التي لا تهتم بدراسة كل علم والتعمق فيه والتوغل في تفاصيله، بل تقتصر على إلقاء نظرة شاملة تحيط بجميع العلوم.

ومن حيث المنهج اعتمدنا المنهج التحليلي التركيبي الذي يحلل الآراء ثم يركبها. وعلى هذا الأساس عمدنا في القسم الأول من البحث إلى نظريات الفلاسفة حول الجمال والفن ورحنا نعمل فيها تحليلاً وشرحاً، وتوخينا الإحاطة والدقة وعرض الآراء عرضاً موضوعياً أميناً، وتحاشينا الذاتية قدر الإمكان، وراعينا في هذا العرض التسلسل التاريخي لإظهار التطور الذي أصابه الفن عبر العصور.

لقد بدأنا بعرض نظرية أفلاطون الجمالية، وهي أقدم نظرية انتهت إلينا، وكانت مثار جدل على مر العصور لأنها انطوت على بذور نظريات عدة نبتت فيما بعد كنظرية المحاكاة عند أرسطو ونظرية الالتزام عند جوبر وماركس وسارتر، والنظرية المثالية عند هيغل.

وانتقلنا إلى نظرية أرسطو التي عرفت بنظرية المحاكاة كما بدت في كتابه “فن الشعر”. لقد كان أرسطو تلميذاً لأفلاطون، ولكنه كان مع ذلك من التلاميذ الذين يجدون لذة في مخالفة أستاذهم وانتقاده. لقد أشار أفلاطون إلى المحاكاة في الفن ولكنه أبدى امتعاضه منها فازدراها، أما أرسطة فقد بادر إلى تبنيها، وجعلها أساس الفن وقننها.

وكان لزاماً علينا أن نطوي الزمن لنصل إلى كانط الذي أتى بنظرية أصيلة جديدة في الفن وإن كان قد تأثر كثيراً بهيوم. إن الحكم الجمالي لا ينبغي أن يقوم على النظر العقلي أو الاعتبارات الفكرية كما هو الحال عند أفلاطون وأرسطو، بل تضطلع به ملكة خاصة موجودة في الإنسان على درجات متفاوتة هي ملكة الحكم أو الذوق. وبذا اعتبر كانط مرحلة متطورة من مراحل فلسفة الفن.

وعندما نصل إلى هيغل نرى أنفسنا أمام نظرية مفصلة للفن ولكنها تفتقر إلى العمق والأصالة اللذين نلغيهما عند أسلافه. فتعريفه للجمال بأنه المطلق، وتعريفه للفن بأنه تظهير ذلك المطلق تظهيراً حسياً، ليس سوى ترديد بشكل متنكر لنظرية أفلاطون التي تذهب إلى أن الجمال المطلق مثال أعلى، وإن الأشياء الحسية تقترب من ذلك الجمال أو تبتعد عنه وبذا يربو حظها أو يضعف من الجمال. ومن ناحية أخرى عندما يرفض هيغل أن يعترف بأي هدف للفن لا يقول شيئاً جديداً لم يقله كانط. ومع ذلك يبقى كتابه الضخم في علم الجمال ذا أهمية كبرى، لأنه اجتهد في أن يرسي أسس علم جديد وإن يقيم مداميكه ويضع لها سقفاً، أي أنه أقام بناء متكاملاً لما أسماه بعلم الجمال.

ومع ماركس وبعده سارتر نصل إلى نهاية المطاف في رحلتنا الاستعراضية للنظريات الفنية. كل منهما يقول أن الفن عمل، وإن هذا العمل يتجه نحو غاية أي يكون ملتزماً. والفرق بين الالتزام عندهما وعند أفلاطون هو أنه ذو منحى ديني وخلقي وسياسي عند أفلاطون، بينما هو ذو منحى اجتماعي وسياسي فقط عند ماركس وسارتر. وثمة خلاف آخر بين أفلاطون وهذين الفيلسوفين المتأخرين هو طبيعة الجمال والعمل الفني. فالفن عند أفلاطون محاكاة المثال الأعلى للجمال بينما هو بنظر ماركس وسارتر نتاج الجهد والوعي.

وعلى النقيض من ماركس وسارتر يقف كل من كروتشه وبرغسون يمثلان الاتجاه المثالي المعاصر في الفن، لقد أخذاً الكثير عن كانط وهيغل، ولكنهما إبداعاً في تحليل التجربة الفنية ووصفها فاستحقا أن نفرد لكل منهما فصلاً على حدة.

بقي علينا أن نركب بعدما انتهينا من التحليل، وهذا هو مضمون القسم الثاني من بحثنا. ونعني بالتركيب بناء شيء جديد أو إعطاء رؤية جديدة للجمال والفن، ولقد كرسنا له خمسة فصول هي: الجمال، الفن، غاية الفن، أقسام الفن، العبقرية الفنية.

المؤلف

الناشر

مقاسات الكتاب

24×17

الغلاف

ورقي

لغة الكتاب

عربي

عدد المجلدات