يشتغل هذا المشروع على الدفع بالفلسفة إلى أداء دورها العلاجيّ من خلال ترميم الوجود الإنسانيّ بناءً على قاعدته الروحيّة حيث ترتبط الذاتُ بنفسها وتنشغل بتكوينها الروحيّ. يُنبّه أدو إلى أنّ اختزال الفلسفة في خطاب يعني اختزالَ الحياة في كلمات، فقد انهارت الفلسفةُ في معناها كما في وظيفتها عندما تحوَّلت من محبّة الحكمة (philosophia) إلى محبّة الكلمة (philologia). وهذا التحوّلُ هو بذاته مرضٌ أوّل يتعيّنُ على الفلسفة أن تُداويه بالرياضة الروحيّة وتمارينها، على النحو الذي قدّمته المدارسُ الفلسفيّة القديمة (الرواقيّة والإبيقوريّة والأفلاطونيّة المحدثة وامتداداتها في العصر الرومانيّ الأوّل لدى ماركوس أوريليوس (Marcus Aurelius) خصوصًا).
لم يبتكر بيارْ أَدُو فكرة “التمارين الروحيّة الفلسفيّة” لأنّها فكرة متأصّلة في الفلسفة القديمة، ولكنّه قام بتثويرها في الفلسفة المعاصرة. لقد حاول، باعتباره مؤرّخًا للفلسفة، تقديمَ الأسس الفلسفيّة والحجج التاريخيّة التي يمكن أن ينشأ منها دليلٌ روحيّ فلسفيّ للحياة المعاصرة على نمط دليل(manuel) إبكتِتُوس مثلًا، خارج دائرة الروحيّة الدينيّة. لقد افترضَ أنّ الفلسفة القديمة ما زال بإمكانها العملُ على توجيه الإنسان المعاصر روحيًّا وأنّها تستطيع أن تَرُدَّه إلى ذاته ردًّا فلسفيًّا، فلا يقلق بعدها ولا يضطرب، وذلك المُراد من ابتكار الفلسفة من البداية.
يتعاظم الاهتمامُ اليوم بفكرة التمارين الروحيّة الفلسفيّة وَفق مبدأ اعتبار الفلسفة أسلوبَ حياة، منذ أن تلقّفَ ميشال فوكو هاته الفكرة من أدو وضَمَّنها في مؤلّفاته عن الانهمام بالذات أو ما يسمّيه ثقافة الذات وفنّ العيش. ثمَّ توسّعَ مجالُ انتشار هذه الفكرة أكثر لدى جيل من الفلاسفة الجُدد، في فرنسا خاصّة، مثل أندري كونت سبونفيل (André Comte-Sponville) واشتغاله على الروحيّة الفلسفيّة ومفهوم السعادة، أو ميشال أونفري (Michel Onfray) واشتغاله على إعادة تصوّر مفهوم الحكمة القديم، وكذلك لُكْ فيري (Luc Ferry) وريمي براغ(Rémi Brague) وغيرهم. إنّ هذا يُنبئ بموجة فلسفيّة عارمة تزداد علوًّا كلّما تركّز الاهتمام بالذات وأسلوب الحياة الذي تتّخذه عندما تتكوّنُ روحيًّا بفضل الفلسفة.
الحَيَاةُ الفَلْسَفِيَّةُ : العَيْشُ بالتَمَاريْن الرُّوحِيَّة في فِكْرِ بيَارْ أَدُوْ
“إنّ الفلسفة هي تكوينٌ للروح وليست تلقينًا للمعارف”. بهذه العبارة، يَفتتحُ الفيلسوفُ ومؤرّخ الفلسفة الفرنسيّ بيار أَدُو (Pierre Hadot) مشروعَه النقديّ للمسار النظريّ الذي اتخذَته الفلسفةُ في الأزمنة المعاصرة
| المؤلف | |
|---|---|
| الناشر | |
| الغلاف | ورقي |
| لغة الكتاب | عربي |











